بسم الله الرحمن الرحيم
ايتها الاخوات الفاضلات
ايها الاخوة الافاضل
مرة اخرى يلتئم مؤتمركم المبارك هذا بعون من الله جل وتبارك في علاه وبارادة عزوم منكم على وضع الامور في نواصيها الديمقراطية الحقيقية التي عبر عنها الجوهر الدستوري الذي تنتظم به الحياة في وطننا، فاسمحوا لي بأن احييكم نيابة عن شعبكم ومجلس نوابه واصالة عن نفسي واتمنى ان يتوج مؤتمركم بالسداد والتوفيق والنجاح.
لا اخال احدا منكم ايتها الاخوات وايها الاخوة يختلف معي في رؤية ان المركزية في النظام الديمقراطي التمثيلي الحقيقي ليست في تمركز صنع القرار في جهة دستورية واحدة انما في الحفاظ على جوهر الدستور الذي اقر ان تعدد السلطات واستقلال بعضها عن بعض هو الكفيل في ترصين النظام الديمقراطي وابعاده عن الشطط والانزلاق في مهاوي الارادات غير الديمقراطية التي تجد نفسها في التأويل غير الصحيح للدستور ولا تجد نفسها في جوهر الدستور.
ولذلك، فاننا مطالبون الان اكثر من اي وقت مضى بالاصرار على رجاحة الجوهر الدستوري لا على وهن التأويل، وبالعزم على الحفاظ على جوهر الدستور لا على اختلاف قراءاته، مع التوكيد على ان الدستور هو الحاضنة الاسمى لحماية نظامنا الديمقراطي، فقد شرع الدستور بارادة شعبنا وعلينا ان نحترم هذه الارادة احتراما مطلقا لا لبس فيه ولا تردد كما ان الدستور لايمكن ان يمسخ بالتوافق، فالدستور كائن حي قابل للتطوير والنمو، بينما التوافق حالة ظرفية أملتها ضرورات وطنية ملحة تنتفي الحاجة اليه عندما تزول الاسباب والدواعي.
نعم ـ ايتها الاخوات وايها الاخوة ـ ان هناك حاجة تاريخية في تغيير بعض بنود الدستور، وتلك الحاجة ليست ارادة توافقية انما ارادة شعبية عارمة علينا ان نصغي اليها وان نحترمها وان نبلغها مرادها بروح جماعية متآصرة ومتآزرة بعيدا عن مكاييل الفئة والطائفة والعرق والحزب والكتلة والشخصانية، وهي ارادة تبغي اخراج الدستور من قولبته الساكنة السالبة الى فضاء النمو والتجديد والتأصيل، ومن بعض مواده التي تهدد وحدة شعبنا ووطننا وترصين بنائنا الديمقراطي الى اطار توحيدي ثابت لا متحول، وديمقراطي راسخ لا انزياحات فيه او منه نحو ترسيسات ديكتاتورية او ممهدات لترسيس ديكتاتوري فردي او حزبي او فئوي او طائفي او عرقي، كيما يتواصل بناء النموذج الديمقراطي العراقي تواصلا جديرا بابداع العراقيين وفرادتهم الاولى في البناء الحضاري والقانوني التي سبقت كل امم الارض.
من هذا كله، نجد ان الحفاظ على استقلالية الهيئات المستقلة انما هو حفاظ على جوهر الدستور وان ابعادها عن استقلاليتها انما هو ابتعاد مقرر سلفا عن الدستور قد يفضي الى ابتعادات اخرى تقوض الدستور نفسه وتحوله من كائن حي منظم للحياة وعلائقها في وطننا الى مدونة ميتة لا روح فيها كما كان من قبل في العهود المختلفة منذ تأسيس دولة العراق الحديثة.
ايها الاخوات الكريمات
ايها الاخوة الاكارم
من منطلق المسؤولية الدستورية نكرر القول ان اصرارنا على استقلالية الهيئات المستقلة لا يختلف عليها اثنان من المؤمنين بأن دستور العراق وحده هو مخرجه الاكثر وجاهة من مآزقه الحالية ، اذ أفرد الدستور لها كياناتها الخاصة وفق معايير دولية تنسجم مع ما ذهبت اليه الدساتير الحديثة في انشاء هذه الهيئات .
ان الهيئات المستقلة ، هيئات مستقلة توصيفا واداءً حقا بسبب بعدها عن كل ما هو سياسي محض ، وموكوثها في دائرة اختصاصها المحددة دستوريا ، لذا فان اي تدخل من جانب السلطات الاخرى او اي انزياح بفعل ضغوط الكتل السياسية وتحت تأثير المحاصصة الطائفية والعرقية ، تضعها تحت التبعية مما تهدد استقلالها وتعيق تنفيذ عملها ومهامها ، لذا فان الضرورة تستدعي لهذه الهيئات ان تعقد اجتماعات دورية مع لجان برلمانية مختصة والمكلفة بالاشراف عليها لمناقشة التدخلات ومعالجة المعضلات التي قد تواجهها لأن الدستور نص صراحة على ربط هذه الهيئات بصورة أو بأخرى بمجلس النواب سواء عن طريق الرقابة على اعمالها أو الارتباط المباشر به أو المسؤولية أمامه .
ايها الحضور الكرام
من كل ما مر من قولنا اود ان اؤكد ان مجلس نواب الشعب الذي اكد وما زال يؤكد ولاءه كل يوم للشعب والدستور، ماض في عزمه على تأصيل استقلالية هذه الهيئات كيما تكون مرتكزا واضحا وعلامة فارقة من علامات بنائنا الديمقراطي الجديد، وانه سيجتهد في وضع قوانين تطور استقلاليتها من جهة واداءها لخدمة الوطن والمواطنين من جهة اخرى، ولعل اظهار نية مجلس النواب بتأسيس مكتب للهيئات المستقلة واحد من اهم المفردات التي تأتي في الاتجاه التأصيلي لهدف توكيد استقلاليتها.
واكرر مرة اخرى خالص امنياتي بان يتكلل مؤتمركم هذا بالنجاح والسداد والتوفيق، والله الموفق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته