كلمة السيد رئيس مجلس النواب الافتتاحية لمؤتمر الاقاليم و المحافظات

 

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم أيها الإخوة الأفاضل ورحمة الله وبركاته

ينعقد مؤتمركم هذا في أيام بالغة الدقة في حياة شعبنا، وأشدها حساسية في العلاقة بين الحكومة نظاما مختارا للدولة من قبل نواب الشعب وبين الشعب نفسه، وأيام مثل هذه تستدعي وقفة صريحة جادة ومسؤولة تضع الأمور التي انحرفت عن نصابها فيه كي نكون أمناء على شرف المسؤولية التي كلفنا الشعب بها ووضع ثقته فينا لإنقاذه من عنق زجاجة المأزق والأزمات التي يعانيها.

مع تقديرنا العالي والأكيد لجميع تطلعات ومطالب أبناء شعبنا إلا إننا نشعر بمسؤولية عالية لما ألت إليه الأمور، ونقول إن خروج مواطنينا إلى الشوارع للتظاهر إنما يؤثر إلى حالة خطيرة، علينا الانتباه لها بجدية وحسم تتمثل بالإخفاق في تواصل الدولة والحكومة مع الشعب وعزوفها عن الإصغاء له واحتواء تطلعاته والتعبير عنها بأداء سليم مما برز في الأفق أزمة ثقة بين الحاكم والمحكوم على قدر ملموس وواقعي ويومي... ولو جمعنا مطالب العراقيين التي رفعت خلال التظاهرات في مختلف المحافظات لاكتشفنا إن هناك فشلا واضحا يسيطر على أداء موافق ومفاصل الحكومة والدولة معا مرده تراكم الأخطاء في كل المجالات سابقا واستمرارها لاحقا من دون حلول تذكر ناخرا جسد الدولة الفتية مهمشا مفاصلها الطري ومتغلغلا عصفه في بيوت الشعب،

 
وفي مقدمة هذه الخدمات وتردي الوضع الاقتصادي وسوء الإدارة وتفشي الفساد المالي والإداري في جميع مؤسسات الدولة والحكومة والتضييق على الحقوق والحريات والتمزق الحاصل في وحدة النسيج الاجتماعي والتعامل السيء مع المعتقلين الذين لم تثبت إدانتهم ووضع السجون المزري...

أيها الإخوة الأفاضل

لقد أشرت الفترة المنصرمة إلى اختلال بنيوي في العلاقة بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية للأقاليم والمحافظات، تمثل في هشاشة الاستيعاب المتبادل لنوع وحجم المسؤوليات ومنظومة الصلاحيات ومديات الحاجة اللازمة والاستحقاق المتوخى والإمكانية المتاحة والروية الفلسفية للأداء الوطني المطلوب انجازه، بعضها نجنح إلى اعتبار الحكومة المركزية ضابطا أليا إداريا وحارسا لبيت المال واعتبار الحكومة المحلية معادلا وبديلا للحكومة المركزية فسول له فهمه خروجا عليها غافلا أنها المسؤولة تنفيذيا عن تطبيق الدستور وإنها العلامة المحورية لوحدة الدولة، وبعضها جنح إلى محاولة تقويم أهمية الإدارة الذاتية للمحافظات بوصفها واحدة من شواخص نظامنا الدستوري وحاول القفز على محدداتها الدستورية باعتباره إياها تابعا من التوابع الدائرة في فلك الحكومة المركزية فقط.

إن هذا الاختلاف البنيوي الخطير إنما نجم عن القصور في فهم فلسفة الدستور وجذره التشريعي، وإذا كان قد نجمت عنه حالات شد وجذب انعكست سلبا على مستوى أداء الخدمات والنهوض التنموي، فان استمراره قد يؤدي إلى انفصام الوحدة الموضوعية لجميع المفاصل الرأسية في الدولة، الأمر الذي يدعونا عاجلا وعلى نحو جاد وحريص إلى الشروع الفوري في وضع إطار قانوني تنظيمي يوضح دون لبس أو إيهام ماهية العلاقة بين الحكومة المركزية والأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم, وتتأكد فيه حزمة الصلاحيات, مع يقيننا إن فك اشتباك بعض الصلاحيات المتداخلة يأتي في مقدمة المعضلات واجبه الحل في ذلك الإطار.

أن من أول مقتضيات اللامركزية الإدارية هو إطلاق حرية ممارسة الصلاحيات الدستورية وتوفير فضاءاتها المسؤولة ومواردها المالية والفنية والتقنية والبشرية اللازمة وقد هيأ الدستور مسارا ناجعا لنمو وتطور كل هذا في إطار ما منحه لسلطات الأقاليم والمحافظات من حق إصدار التشريعات المتوائمة مع الديدن الشعبي العام والمحددات الدستورية الوطنية، لكننا لم نشهد تفعيلا حقيقيا بهذا وقد يعود السبب إلى اختلال العراقات الذاتية بين مكونات مجالس المحافظات وانزياحات بعضها إلى ترجيح لغة الاختلاف على لغة الاتفاق ولغة الافتراق الحزبي والفئوي على لغة التلاقي الشعبي والوطني.

أيها الإخوة الاكارم

إننا إذ نتطلع إلى أن ينجز هذا المؤتمر فصلا واضحا بين سلطات مجالس المحافظات والمحافظين وصلاحياتهم من جهة وبين سلطات الحكومية الاتحادية وصلاحياتها كي ننأى عن تشابكها، فنما نتطلع إلى تطبيق حقيقي لتوصيف نظامنا في الدستور ومغادرة نيات ومحاولات فرض النوع المركزي عليه قسرا مما لا يضعف أداء مجالس المحافظات والمحافظين ويرهله بأنماط بيروقراطية ويحولهم إلى إتباع منفذين لسياسات لاصطناع سياسات وإتباع  منفذين لتشريعات لاصناع تشريعات متوائمة مع مكونات كل محافظة وظروفها وثقافتها وخصائصها التكوينية ومواردها وحاجاتها كما نتطلع إلى أن يستثمر مجلس أية محافظة ومحافظها النص الدستوري الذي يكفل عدم خضوعه لسلطة أية وزارة او جهة غير مرتبطة بوزارة فيحافظ على هيبة المحافظة وإرادة سكانها ويحترمها ويلبي اتجاهات الرأي العام فيها بما يؤمن عدم حصول اي شرخ في العلاقة مع مواطنيها.

وأظنكم تشاركوننا التطلع إلى أهمية ضمان حقوق المحافظات غير المنتظمة بإقليم في المشاركة العادلة في إدارة المؤسسات الاتحادية وفي البعثات والزمالات الدراسية والوفود والمؤتمرات والفاعليات الإقليمية والوطنية ، وفي تخصيص الواردات الاتحادية ومن ضمنها المنح والمساعدات والقروض الدولية والتوزيع العادل لها والتحقق من الاستخدام الأمثل لها وضمان شفافية كيفيات التوزيع والاقتسام وفق النسب المقررة وبإشراف هيأة نص الدستور على تأسيسها.

كما نتطلع إلى أهمية التنسيق والتشاور والتعاون بين مجالس المحافظات وإداراتها والحكومة الاتحادية في رسم وتنفيذ السياسات الصحية والتعليمية والتربوية والبيئية والكمركية وفي استخراج الثروات المعدينة وتطوير أبارها وتصنيعها وتصديرها واستثمار ما خصص لها من عائداتها في تطوير خدماتها ومؤسساتها بما يؤدي إلى تنمية مستدامة لكل مرافق الحياة في كل محافظة.

أيها الإخوة الأعزاء

وفي السياق ذاته نأمل أن تعي مجالس المحافظات ومحافظوها أهمية صيانة الصلاحيات الدستورية الحصرية للحكومة الاتحادية والمحافظة عليها واحترامها وتنفيذ ما يتقرر اتحاديا وفقا لها فهي البوصلة الأهم لوحدة الدولة ونظامها اللامركزي.

أن تأكيدنا على ما مر يأتي في إطار ما ينبغي علينا تحقيقه لنقل المنجزات الدستورية من صيغتها النصية ووعائها الفلسفي إلى ميدان الحياة والعمل اليومي فمما لاشك فيه ان العراق شهد تطورا كبيرا بعد مغادرته نظام الإدارة المركزية بموجب قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية أولا ومن ثم بموجب دستور جمهورية العراق حيث أصبحت مجالس المحافظات المنتخبة من الشعب وغير المعينة من الحكومة صاحبة الصلاحية في تعيين المحافظ والمدراء العامين ورؤساء الدوائر فيها, كما أصبح من صلاحياتها إقرار التشريعات المحلية لخدمة مواطنيها وتنظيم حياتهم، ووضع ميزانياتها ومراقبة الأداء العام والخاص لجميع المؤسسات والدوائر فيها.

ان قيام مجلس الاتحاد وشروعه في وظائفه التشريعية سيعطي دفعة قوية لعملنا جميعا في المؤسسات التمثيلية والتنفيذية وسيمنح قوة مضافة لأداء مجالس  المحافظات ويضعها أمام مسؤولياتها في التشريع والرقابة.

ختاما أحييكم أيها الإخوة الأفاضل وأتمنى للمؤتمر بلوغ غاياته النبيلة وتحقيق أهدافه, كما أتمنى لكم سعيا محمودا وعملا موفقا لخدمة وطنكم وشعبكم.

"وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" صدق الله العظيم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته