كلمة الشيخ خالد العطية نائب رئيس مجلس النواب خلال افتاح سيادته لمؤتمر الكفاءات والخبرات العراقية في المهجر

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين،
والصلاة والسلام على محمد وعلى أهل بيته الطاهرين وأصحابه المنتجبين ،
وبعد ،
أهلا بالأحبة في أحضان وطنهم الحبيب ،
أهلا بشغاف العراق التي تشظت في المنافي .. فاذا هي شموس أضاءت آفاق الدنيا الواسعة ،
أهلا بأعذاقه التي أطعمت الأقاليم والقارات حضارة وعزا

 

أهلا بأعذاقه التي أطعمت الأقاليم والقارات حضارة وعزا ،
أهلا بسواقي الرافدين التي انساحت في شعاب الأرض لتجلو وجوه حواضرها عمرانا وازدهارا ،
اهلا بريح يوسف التي أذهبت عن قلوبنا الحزن وردت الى عيوننا نور الأمل ،
نرحب أجمل ترحيب بابناء العراق وبناته الذين لم يفارقوه بارواحهم وقلوبهم و إن نأوا عنه باجسادهم فلا يصح في حقهم وصف (المغتربين) لاننا نرى العراق يترقرق في عيونهم ، حاضرا معهم في حلهم وترحالهم .
مهما تعددت المآسي التي مرت بوطننا العزيز يبقى لتغرّب أبنائه وهجرتهم خصوصية بالغة الأثر في حاضره ومستقبله ومرارة تتوارثها ذاكرة الوطن على مرّ الزمن ، لكنّ حضوركم الكريم وملتقاكم اليوم يقشع كل مرارة ويبدد كل حسابات الربح والخسارة ويجدد الأمل فيما فات العراق وأبناءه من فرص ، فمجيئكم البهي هو خطوة عزيزة واستجابة شجاعة تختزل الخسائر وتستنشق بغداد من خلالها الزهو من جديد ، فكأني بمستقبل العراق الزاهر يتلألأ في هذي الوجوه الكريمة ، وكاني بسواعدكم قد شمرت عن عزمها في مشاركة اخوانكم واخواتكم في الاعمار والبناء .
أيها الجمع الكريم ، اجد من المناسب ان نسترجع التاريخ القريب لكي يكون مدخلا للحديث عن الغاية والهدف من انعقاد مؤتمرنا المبارك ، فنستذكر بعض الاحداث الهامة التي مرت ببلدنا العزيز في العقود الاخيرة من القرن العشرين وحتى يومنا هذا ، ففي الوقت الذي مثل فيه العقد الاخير من القرن الماضي أسوء ما مر به العراق في تاريخه الحديث حروبا وفقرا ، قتلا وتشريدا ، كان للعالم المتحضر قصة مختلفة تماما ، فلقد شهدت التسعينيات تغيرات سياسية واقتصادية و علمية هائلة مثلت بمجموعها قفزة استثنائية على مستوى ما انجزته الحضارة البشرية وشكلا جديدا من اشكال التنافس بين الحضارات تمثـّل بالعولمة والثورة المعلوماتية واللتان هما خلاصة ما أنجزته عقول علماء الامم من ابداع وتميز وريادة في ميادين العلوم المختلفة ، وفيما زاد الانفاق على البحث العلمي واحتضان الكفاءات حتى صار من البديهي تخصيص نسب ثابتة من الموازنات العامة من اجل رعاية العلم والعلماء شهد العراق اكبر موجات الهجرة للنخب والعقول حتى كادت معاهد العلوم وأروقة الجامعات والمؤسسات الحكومية تخلو من القائمين عليها ، كل ذلك كان يمثل كارثة اودت بالمكانة العلمية التي كان يتميز بها العراق و يتفوق بها على أقرانه من دول الجوار .
لقد حملت سنوات التغيير معها - بعد التاسع من نيسان عام 2003م- دورا إضافيا و دقيقا على عاتق الكفاءات العراقية ، يتمثل في استحقاقات التحول الديمقراطي وما يتطلبه من تحولات موازية في المجالات الادارية والقانونية و الاقتصادية والاجتماعية والفكرية لا تقل اهمية عن التغيرات السياسية ، بل هذه التحولات الموازية هي التي تضمن تجذر التجربة في مفاصل الدولة المختلفة من مؤسسات حكومية و مجتمع مدني و قطاع خاص ، و هذا مما يضاعف الحاجة الى التخصصات كما ونوعا في مجالاتٍ بعضها لم يعتد العراقيون من ابناء الشعب ممارستها والتصدي لها ، وهذه نتيجة طبيعية لانفراط عقد الاستبداد وتوزيع المسؤوليات والمشاركة في السلطة وفق الاستحقاقات الدستورية ، و مادمنا نقترب من انتخابات مجالس المحافظات فلنتخذها مثلا نستذكر من خلاله ما رافقها من اخفاقات على مستوى تقديم الخدمات الاساسية المسيسة بحياة المواطن مما يدل بشكل واضح على ان الديمقراطية ليست حلا سحريا ما لم تعضده الخبرة و تتوفر له شروط النجاح بالتخطيط العلمي و تكامل الادوار بين الكفاءات والخبرات في مفاصل الدولة المختلفة ، عندها سوف تكون قطوف التجربة دانية و سوف ينعم المواطن بثمارها المادية والمعنوية ، وسوف يستكمل التحول الديمقراطي حلقاته الاقتصادية والاجتماعية والفكرية .
إذن طريق العراق نحو الغد الديمقراطي المزدهر الذي ينعم ابناؤه و بناته فيه بالرفاهية و الكرامة ويتمتعون بكامل الحقوق يمكن ان يكون ممهدا ، سهلا ، بكم ، بجهودكم ، بتواصلكم ، بتفاعلكم ، لأن المعرفة والعلم والخبرة هي الثروة الحقيقية التي لا تعرف النضوب ، ولان العمل بلا (معرفة) وان كان جادا دؤوبا فهو هدر لطاقات الإنسان وثروات الأوطان ، وانتم ثروة العراق المذخورة والتي لا يمسها تغييرات السوق او أزمات (الائتمان) ، بل هي ثروة يعظّـمها الضمير و سوف يقدح حب العراق فيها الابداع والتفوق والتفاني لأبعد الحدود ، حب العراق الذي جاء بكم رغم كل التحديات و المخاوف و ما تركتموه وراء ظهوركم من حياة هانئة و مستقرة .
يهدف هذا المؤتمر الى فتح أجواء حوارية بين الاطراف المعنية من جهات تشريعية و وزارات و هيئات و مؤسسات حكومية وكفاءات مهاجرة وخبراء ومختصين من الداخل و الخارج لكي نتوصل الى تحديد مستلزمات إشراك كفاءات وخبرات الخارج في بناء العراق الجديد و مناقشة آليات مقترحة للتواصل معهم في مهاجرهم وايضا تضمن عودتهم الكريمة لمن يرغب منهم ، ولقد لمسنا وجود رغبة صادقة عند جميع الاطراف في تحقيق هذه الاهداف .
في عراق اليوم ، لم تعد هناك قرارات تتخذ (بجرة قلم) و تفرض فرضا ، او يمكن أن تنفرد إرادةٌُ ما بمشروع يراد تمريره دون مشاركة الآخرين ، لذا فان أي مشروع مهما كانت بواعثه نيات طيبة و مقاصد نبيلة فانه يحتاج الى إرادة سياسية قوية والتفاف وطني كبير ، لذلك كان حري بمجلس النواب وهو الخيمة التي تحتضن العراقيين جميعا ، أن يقوم بهذه المبادرة ، فهي مبادرة من قلب العراق الى كل العراق .
ومن نفس المنطلق ، فاننا لم ندخر وسعا – رغم الظروف والمسؤوليات الجسيمة التي تحيط بنا ونضطلع بها – في دعوة العراقيين المهاجرين على امتداد قارات العالم ، وباختلاف اطيافهم ، لكي يكونوا شركاء في المشروع ، نستمع لرؤاهم و افكارهم بقلوب مفتوحة ، وننظر عبر عيونهم الى مستقبل العراق الواعد والمزدهر ، وعذرا لمن لم يتم شمولهم بالدعوة مع تقديرنا لمكانتهم وعلو قدرهم ، لكن هذه خطوة تتبعها خطوات ، سوف يعم خيرها على الجميع باذن الله ، لأننا عقدنا العزم على انجاح هذا المشروع ، و جعلناه ضمن اولويات العمل في المرحلة القادمة .
ولا يفوتني أن أشيد بدور الجاليات العراقية في المهاجر و الذي حفزنا وشجعنا على اطلاق هذه المبادرة بما كنا نلمسه لديهم من شغف و اشتياق شديد الى المشاركة في بناء العراق الجديد ، ورغبة صادقة في ان تنضح عرق المساهمة في تشييد حضارتنا من جديد .
ومن جانب آخر ومن اجل ضمان نجاح هذه المبادرة حرصنا في الهيئة العليا المشرفة على إشراك الجهات المعنية بشقيها التشريعي والتنفيذي في فترة الاعداد و ايضا في رئاسة المؤتمر والتي سوف تستمر معكم بحضورها و تفاعلها في وقائعه كافة ،
و بهذه المناسبة نتوجه الى أركان الدولة بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية و بالخصوص دولة رئيس الوزراء و حكومة الوحدة الوطنية بان يجعلوا توصيات المؤتمر ومقرراته تحت عنايتهم ومحل رعايتهم لكي تكتسب ما ينبغي من زخم و لكي تضمَّـن نتائج الخطوات القادمة في مدخلات التخطيط للسياسة العامة للدولة .
نأمل ان تتكاتف جهود الجميع من اجل انجاح مشروعنا الوطني و تفعيل التواصل بين العراق و هذه الكوكبة المستنيرة من أبنائه ، وبذل كل الوسع في سبيل تحقيق اهداف المؤتمر والتي سوف تعود بالخير والتقدم والازدهار على العراقيين جميعا .
الشكر والتقدير لفخامة رئيس الجمهورية لمباركته لهذا المشروع ،
الشكر والتقدير لدولة رئيس الوزراء لمساندته مجلس النواب في انجاح هذا المؤتمر .
الشكر والتقدير لحكومة إقليم كردستان و مجلسه الوطني متمثلا برئيسه الاستاذ عدنان المفتي لمشاركتهما في هذا المؤتمر ،
الشكر والتقدير لمعالي السيد رئيس مجلس القضاء الأعلى والسادة القضاة على مشاركتهم ،
الشكر والتقدير للسادة الوزراء الذين بذلوا من وقتهم و جهدهم معنا في الاعداد والتنظيم .
الشكر والتقدير للسادة المسؤولين ورؤساء الجامعات والأكاديميين الذين وفدوا من سائر المحافظات .
والشكر من قبل ومن بعد الى المشاركين من كفاءات العراق ونخبه الذين قدموا من مهاجرهم .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
والحمد لله رب العالمين